الطقس

84°F°C
مرتفع ‎91° منخفض ‎71°
29°C°F
مرتفع ‎33° منخفض ‎22°
  • صافٍ 
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

الأحد، 15 يناير 2012

مصر العدالة الاجتماعية غائبة في أدبيات الثورة

|

إذا كان التمويل والتدخل الأجنبي خطرا ماثلا في مصر بعد ثورة 25 يناير فإن غياب العدل الاجتماعي وتجاهل الخلل في توزيع الثروة يضعف المناعة السياسية للمجتمع، ويبقي على ميزان القوى في غير صالح قوى الثورة، وخلل ميزان القوى أفسح المجال لحركة طليقة لفلول الحكم البائد؛ بما لديها من إمكانيات مالية وبشرية، ومن دعم داخلي وخارجي؛ أبقى على حكم مبارك مع تسليمنا بغياب صاحبه.
وما زالت كل السياسات على حالها خاصة الاقتصادية منها، التي استمرت منحازة إلى القادرين والأثرياء، وضاغطة على الفقراء ومحدودي الدخل، الذين تلهب ظهورهم سياط الأسعار، وجشع تجار ومحتكرين لا يعنيهم غير جني الأرباح من لحم الفقراء الحي.. ونسبتهم في مصر تجاوزت 80' من عدد السكان.
السياسات الرسمية ما زالت تغازل الاستثمار الأجنبي، ولا تتخذ خطوة ولو محدودة تفصح عن وجود نية لتنمية وطنية مستقلة؛ تتولى نقل مصر من اقتصاد ريعي ضعيف إلى اقتصاد انتاجي وخدمي قوي، ومن يريد أن يتأكد من هذا فليراجع تصريحات حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير المالية الحالي، وتصريحات سلفه سمير رضوان وزير المالية السابق، ولسوف يجد أن الرهان بقي تقليديا؛ بدت فيه العدالة الاجتماعية غائبة.. حتى أن مشكلة بسيطة مثل الحد الأدنى والحد الأعلى'للأجور متعسرة الحل؛ بدعوى عدم كفاية التمويل.
وبناء على ما يتردد بين أوساط الخبراء الإداريين والاقتصاديين، فإن أجور رجال الإدارة العليا والمستشارين والخبراء والمنتدبين إلى المناصب العليا بلا سقف، وتبلغ أربعة وعشرين مليار جنيه مصري في السنة، وجل هؤلاء فوق سن التقاعد، ففضلا عن مصادرتهم للحراك الإداري أمام المستويات الأدنى فإن الاستغناء عنهم ممكن، والأموال التي يحصلون عليها مفتاح للحل الذي لا يحتاج إلا لقرار إداري عادي من رئيس الوزراء. ومن يحصلون على أجور عالية لا يحصلون عليها مقابل خدمة حقيقية أو لكفاءة وخبرة نادرة، وكانت مقابل الولاء وخدمة منظومة الاستبداد والفساد والتبعية والإفقار، وعلى دورهم الفاعل في إدامة هذه المنظومة البالية.
كان مثل محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق؛ المقبوض عليه حاليا رهن المحاكمة بالتربح واستغلال النفوذ والانحراف والفساد المالي والسياسي؛ كان مثلا صارخا وفاضحا. فحين خرج من الوزارة تحت الضغط الشعبي أصر حسني مبارك بعناده المعهود على تحدي الرأي العام، فمنحه أعلى وسام مصري، وزاد على ذلك بتعيينه في شركة نفطية؛ بمرتب بلغ مليون وربع المليون جنيه شهريا، في وقت كان هناك خريجون جامعيون يعينون بعقود مؤقتة مقابل تسعة وتسعين جنيها في الشهر!.
وفي زحمة الاحتجاجات والإضرابات الفئوية السابقة على الثورة أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بأن يكون الحد الأدنى للأجور ألف ومئتي جنيه مصري، وهو حكم يتم الالتفاف حوله، وتطبيقه على مدى خمس سنوات؛ فيفقد قيمته وتأثيره، بجانب أنه حكم غير ملزم للقطاع الخاص، الذي ما زال يجد التدليل والعون حتى الآن رغم فساده واستغلاله وارتباطه بالاحتكارات الأجنبية.
ويغيب عن الفلول وقوى الثورة المضادة و'المستشرقين'؛ المتسللين إلى صفوف الحكم وبين إئتلافات الثورة أن مصر تغيرت تحتيا، وإن كان التغيير الفوقي ما زال محدودا، ومن مظاهر التغيير التحتي أن المواطن نفض عن كاهله غبار السلبية وصار فاعلا.. لا ينتظر إذنا من أحد.. يبادر ويتحرك مدفوعا برغبة صادقة في العمل. وهو لا يتوانى عن المشاركة في الأحداث، بعد ما كان لا يكترث بها ويعزف عنها. ودخل مرحلة صناعة الأحداث وقد كان متفرجا عليها، بجانب أنه اكتشف قوته بتلاحمه مع باقي المواطنين وليس في وقوفه منفردا.. وقوة العمل الجماعي أضحت سلاحا ماضيا وضاغطا على المسؤولين، ولولاه لأجهضت الثورة وانتهت، والتغيير الأخير هو تمرس المواطن على المطالبة بحقوقه أيا كان الجهد المطلوب أو الثمن المدفوع من أجلها. ولا تجد فردا أو جماعة تملك ترف التهاون في الحق وعدم المطالبة به أو التنازل عنه.
يقابل هذا التغيير الإيجابي في شخصية المواطن غموض وتباطؤ في مستوى الإدارة السياسية والتنفيذية؛ لم تقترب من أي معالجة حقيقية لوطأة الفقر والبطالة والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية، وأكثر من هذا بدت مشجعة على نشر ثقافة التسول، اعتمادا على نهج الإحسان والصدقة، والعيب ليس في النهج، والمشكلة في الاعتماد عليه وحده بديلا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقلة الحقيقية، وتتسابق مع الجماعات والمنظمات الأهلية الممولة من الخارج والشركات الاحتكارية الكبرى في نشر ثقافة التسول بين الفقراء؛ إعمالا لنظرية بالية وفاسدة في تقسيم العمل والتمييز الاجتماعي.. تقوم على مصادرة أي حراك يرفع من شأن الفقراء بالعلم والمعرفة والثقافة، ويرتقي بمستوى معيشتهم وينتشلهم من وهدة الفقر والعدم، وينقلهم إلى عالم الكفاية والعدل، وذلك من أجل أن يبقى الغني غنيا ويستمر الفقير في فقره. وهذا النهج المستمر بعد ثورة 25 يناير هدفه إجهاض التوجه نحو العدالة الاجتماعية التي كانت واحدا من أهم أهدافها.
وهناك حرية تحققت لكنها لم تكن مطلوبة لذاتها إنما جاءت سبيلا لتأكيد الكرامة، ولن يكون ذلك دون الحد من الإفقار والمهانة والإذلال والتهميش، وهي أمراض يقضي عليها العدل الاجتماعي، ودون ذلك تستمر حرية شكلية طقسية لا تصل إلى عمق المجتمع، الذي يعيش مدا وجزرا بين مطالب عامة وخاصة ضاغطة وعراقيل وعقبات متعمدة؛ تصنعها هياكل قديمة ما زالت مؤثرة على دولاب العمل في مجالاته المختلفة، وتركت بصماتها على قوى وتيارات سياسية تعمل على تمرير مشروعها ورؤيتها لصياغة نظام بديل يحسن ويجمل الخريطة السياسية والاجتماعية للبلاد دون تغيير حقيقي.
والشخصية المصرية التي تغيرت لم تتمكن بعد من تصفية حكم مبارك، ولا استطاعت إحداث قطيعة بينها وبينه، وحيوية هذه الشخصية الشديدة وطموحاتها عالية السقف رفعت من مستوى الوعي الوطني في مدى قياسي إلا أن الإدارة الانتقالية ما زالت أدنى وعيا وفي أسر قواعد وآليات بالية بكل ما فيها من فساد وقصور وتشوهات. وعليه بقيت الثورة في حالة مخاض ومد وجزر، واستمر الحكم السابق حيا؛ لم يلفظ أنفاسه بعد.
وبالقطع فإن لكل هذا تأثيره المباشر وغير المباشر على الاستعدادات التي تجري للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وهي المؤمل فيها بناء دولة حديثة ونظام سياسي معاصر؛ مع أن معالمه لم تتضح بعد ويكتنفه الغموض حتى الآن، وفي هذه الظروف يصبو كل تيار وفصيل إلى الحصول على شعبية في وضع شديد التعقيد ويتسم بالسيولة وعدم الاستقرار، وحين سئلت في قناة مرئية رسمية مصرية عن التوقع من الانتخابات القادمة، كان ردي في أن بقاء ميزان القوى السياسي والاجتماعي على ما هو عليه بلا تغيير نوعي يصحح ما فيه من خلل، واستمرار العمل على إعادة انتاج حكم مبارك بغير تصدي حقيقي بإجراءات ثورية رادعة تعزل من أفسدوا الحياة السياسية، دون هذا قد تكون النتائج أكثر سوءا من نتائج انتخابات 2010 المزورة، فالمال والعصبية العائلية والقبلية والبلطجة سوف يلعبون الدور الحاسم في تحديد النتيجة.
ميزان القوى لا يعتدل في غياب عدالة اجتماعية ناجزة، ووقف إعادة انتاج حكم مبارك لا يتم بعيدا عن ملء الفراغ السياسي والقيادي والأمني القائم، وبغير تخفيف القيود على قيام الأحزاب والتنظيمات السياسية، وفوق كل هذا وذاك فإن ذلك الفراغ الناجم عن فقدان الاهتمام بصياغة عقد إجتماعي جديد يحتوي مضمون الحكم وشكله، ويحدد العلاقة بين السلطة والمواطن، وبين المواطن وشركاء الوطن، وبين المواطن وبين مجتمعه، ودور كل منهما تجاه الأخر.. وكان الاهتمام بصياغة عقد اجتماعي جديد يجب أن يسبق ما يجري الآن. ويصبح الخلاف حول الدستور أولا أو الانتخابات أولا لا محل له هنا، فعلى هدي العقد الاجتماعي يصاغ الدستور، سواء قبل الانتخابات أو بعد الانتخابات، وهكذا تتوالى الخطوات في سياقها السليم، إذا أريد لمصر أن تكون ديمقراطية لكل أبنائها؛ يتساوى فيها الجميع على قاعدة المواطنة.
في ظروف كهذه نجد أن الإسلام السياسي يعتمد على قاعدة اقتصادية قوية، ولديه قدرة تنظيمية حقيقية، وهذا لا يعيبه لكنه أقلق القوى الوطنية، والقلق هنا مشروع، خوفا من الاستئثار بالحكم وصياغة دستور يهمش مخالفيه ومعارضيه، ولكن الأكثر تأثيرا من وجهة نظري ليس التهميش السياسي إنما التهميش الاجتماعي، وعدم الاكتراث بالعدالة الاجتماعية وبالتوزيع العادل للثروة الوطنية في أدبيات وخطاب الإسلام السياسي، وحرصه على إبقاء الفراغ السياسي والقيادي والأمني الراهن؛ تصورا منه بأنه يتيح له الفوز، أما ضعف القاعدة الاقتصادية وقلة القدرة التنظيمية لقوى الثورة ناشئ في جانب منه من القيود المالية والقانونية الموضوعة لنشأة الأحزاب؛ بشكل يحول دون أن تكون قوى بديلة تملأ هذا الفراغ وتخفف من أثره السلبي على الثورة!، وإذا كان النهج الغالب على الإسلام السياسي لا يعطي الاهتمام الكافي للعدالة الاجتماعية، فهو في نفس الوقت يشارك السلطات الرسمية في تغليبها منطق الإحسان والصدقة، والسبب هو غياب الوعي بخطر ذلك على بنية المجتمع والعلاقات بين أفراده، والحرص على استمرار الثراء الفاحش والاستحواذ على الثروات دون ضابط، وإضفاء قدسية على الملكية الخاصة وغض الطرف عن مصادرها وطرق كسبها، وهذا يضاعف من التهميش ويزيد من ظواهر الفساد والانحرافات، وينشر البلطجة والعنف، ويصبح لهما الغلبة على الأنشطة العامة والخاصة، وبدلا من أن توظيف غياب العدل الاجتماعي كمشكلة معوقة للثورة يجب على الثوار أن يجعلوا منها حلا يرسخ قواعد الثورة ويحميها؛ كي لا نفاجأ بثورة جياع يقضي فيها العنف على كل عمل سلمي اقتدى بثورة 25 يناير، وعادة ما يكون العنف فرصة للتقسيم والتفتيت والانعزالية.

0 التعليقات:

 

للتواصل مع مدونة تماس عبر الايميل

ارسل ايميلك من هنا ثم لا تنسى ان تفتح ايميلك وتضغط على رابط التاكيد الذي سيرسل اليك

Preview on Feedage: %D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B3 Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes
;