الطقس

84°F°C
مرتفع ‎91° منخفض ‎71°
29°C°F
مرتفع ‎33° منخفض ‎22°
  • صافٍ 
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

الأحد، 15 يناير 2012

عمليات تسويق الإمبراطورية المنكفئة!

|

عقب تدمير برجي التجارة في نيويورك هبّت الإدارة الأميركية هبّة قتالية محمومة، فبدت للعالم شديدة الخطورة وقد أعماها الغضب واعتراها ما يشبه الجنون،بينما بدا العالم من جهته مذعناً لما تضمّنه خطابها الدعائي العدواني من غرائب وعجائب! وفي ما بعد، في عهد الرئيس أوباما، وحيث ترتّب على احتلال العراق انكشاف الانكفاء الإمبراطوري الأميركي الذي لا علاج له، طرأت تعديلات على الخطاب الأميركي، والممارسة الميدانية الأميركية، من شأنهما تلطيف أساليب تسويقا لإمبراطورية الباغية المنكفئة.

لقد حرص الخطاب الأميركي دائماً على إظهار الولايات المتحدة منزهة عن الأخطاء، بل قدّمها بصورة وردية نضرة لا تستحق سوى الإطراء والإعجاب، ولا تملك الأمم الأخرى سوى اعتبارها قدوتها ونموذجها في الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن جهة أخرى دأبت الدعاية على التأكيد أنّ الأمة الأميركية هي الأعظم على وجه الأرض منذ وجدت الأمم! وبالطبع، فإن الأمر ليس كذلك، وإلا فما حاجة الإدارات الأميركية المتوالية إلى اتباع أساليب التسويق التقليدية لإبراز عظمة الولايات المتحدة ووحدانيتها، وهو ما واظبت على فعله في جميع المراحل وحتى يومنا هذا؟

في عهد الرئيس جورج بوش الابن لجأت الإدارة الأميركية إلى الرشوة في تسويقها للولايات المتحدة كقدوة للعالم، فرصدت ما يزيد على 500 مليون دولار لكسب ودّ الشعوب الساخطة في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط. وفعلت الفعل نفسه في جنوب آسيا.وتم إطلاق إذاعة (سوا) وتلفزيون (الحرّة) لاستقطاب الشعوب التي تعطي آذانها وعيونها لمحطات إذاعية وتلفزيونية أخرى. غير أن الأموال والمحطات والأوساط المحلية الحليفة لم تنجح جميعها في إحراز أي تقدّم لصالح تسويق النموذج الأميركي، لأنّ الشعوب تعرف جيداً حقيقة الولايات المتحدة، وتدرك تماماً الفارق بين واقعها وبين خطابها، فهي في نظر الشعوب دولة معتدية تعتمد مذهباً عسكرياً ثابتاً عبر سياسات حربية مفتوحة، أمّا في عهد بوش فقد أصبحت حروبها وقائية، أو استباقية، أي أنها لم تعد تحتاج إلى أسباب مفهومة معلنة كي تشن الحرب ضد أي كان!

إنّ الشعوب جميعها تعرف جيداً أن الولايات المتحدة تعارض بشراسة معظم الاتفاقات الدولية التي لا تحقق لها مصالح خاصة متميزة، أو التي يمكن أن تنال من أجهزتها ومن عناصرها المنفلتة، كاتفاقية محكمة الجنايات الدولية مثلاً. بل إنّ الشعوب جميعها تعرف جيداً معارضة الإدارة الأميركية لاتفاقية كيوتو الدولية بصدد كارثة الاحتباس الحراري التي تهدد الحياة البشرية بمجملها! لماذا؟ لأن الولايات المتحدة هي المسبب الأول للنسبة الأعظم من حجم كارثة الاحتباس الحراري، ولأنّ التزامها باتفاقية كيوتو يفرض عليها أن تعيد النظر بطراز تصنيعها وبنمط الحياة فيها، وهو ما لا تريد أن تفعله. كذلك فإنّ الشعوب جميعها تعرف أنّ الولايات المتحدة كانت دائماً مركز الدعم للأنظمة الاستبدادية في العالم، وكانت دائماً مع الباطل ضد الحق، ومع الظالم ضد المظلوم، كما هو الحال في فلسطين مثلاً.

سواء في عهد بوش أم في عهد أوباما، على اختلاف أسلوبيهما، فإنه لمن الصعب،إن لم يكن من المحال، أن تنجح الإدارة الأميركية في تسويق صورتها وبرامجها إلى البلدان الأخرى، ولسوف تبقى قطاعات واسعة جداً في هذا العالم مشحونة بالمشاعر والمفاهيم المناهضة لسياسات الولايات المتحدة، بما فيها شعوب حلفائها الغربيين،وهي مشاعر ومفاهيم ليست من دون أساس بالطبع، حيث لا يغيّر في جوهر الأمر أنّ الرئيس أوباما يجنّب جنوده ما أمكن خوض الحروب مباشرة، ويستعيض عنهم، في عمليات التدمير والقتل، بالطائرات من دون طيّارين!

تقول الباحثة الأميركية نانسي سنو أنّ محاولات الإدارات الأميركية لتحسين صورة الولايات المتحدة، عن طريق توزيع المال، وعن طريق الدعاية، ونشاط الأوساط التابعة في البلدان الأخرى، لن تجدي نفعاً، وأنّه قد حان الوقت كي تصيخ واشنطن بسمعها لحلفائها الذين يبثونها معاناتهم وشكاواهم!

غير أنّ الإعلام الأميركي المتواطئ مع السلطة لا يأبه عموماً لكل ذلك، فهو يسير في ركاب السياسة الرسمية، لأنّه (كشركات همّها جني المال) يسعى إلى تحقيق الأرباح ولو على حساب إشاعة الجهل والضلال في الولايات المتحدة وخارجها، أي على حساب الصالح العام الوطني والإنساني! إنّ الصحافة الأميركية عموماً تتبع أساليب لا تساعد على التمييز بين الحقائق الثابتة والأخبار غير النزيهة! فعلى سبيل المثال،تقول الباحثة سنو، تخصّص الصحف الأميركية صفحات للآراء والتعليقات التي تعطي القارئ انطباعاً غير صحيح، وشعوراً زائفاً بالاطمئنان والثقة، عندما يطالع الصفحات الأخرى التي تحتوي على الأخبار، فيتوهم بعد مطالعته صفحات الرأي أنّ صفحات الأخبار أمينة وليست منحازة، مع أنها في الواقع غير أمينة ومنحازة!

إنّ هناك من يتحدّث عن "صراع" بين الإدارة الأميركية والإعلام الأميركي، لكنّ مثل هذا الصراع لا وجود له، وهو مجرّد أكذوبة، فالإعلام الأميركي،منذ الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، يتبنّى فرضيات مجلس الأمن القومي الأميركي، ويتبنّى المواقف الرسمية للبيت الأبيض. وقد يحدث ويتواطأ الطرفان عمداً، فيتظاهران بالخلاف، لإبقاء الشعب جاهلاً بحقيقة مسائل على درجة عالية من الخطورة والحساسية!

إنّ التعاون، على العموم، بين الإعلام الأميركي وحكومته هو السائد، وهو يتحقق تلقائياً بسبب تقاطع المصالح ووحدة الأهداف والتطلعات بين الطرفين، فقد قامت الصحافة الأميركية بدور الرديف للمخططات والعمليات العسكرية العدوانية التي أعدّتها ونفّذتها الحكومات الأميركية المتعاقبة، وهي اعتبرت ذلك واجباً من واجباتها القومية، ودليلاً على ولائها لوطنها! إنّ تحالفاً حقيقياً ثابتاً ينهض بين الحكومة الأميركية والإعلام الأميركي، وقد أثمر هذا التحالف، في جملة ما أثمر، تقليداً صار متّبعاً على الدوام هو تبادل الموظفين وتبادل المهمات، فالصحفي الأميركي يمكن أن يقوم بدور رجل المخابرات ورجل المخابرات الأميركي يمكن أن يقوم بدور الصحفي،وكلاهما يشتركان في مهمة جمع المعلومات لصالح الحكومة!

على سبيل المثال، واستناداً إلى وثائق وكالة المخابرات المركزية الأميركية،قام الصحفي الأميركي كارل بيرنستين بتوثيق حالات تعاون بين الصحافة والمخابرات تضمنت أسماء أكثر من 400 صحفي أميركي نفّذوا مهمات استخباراتية سرّية على مدى ربع قرن! وبالطبع، كانت فرصة أمثال هؤلاء الصحفيين في تحقيق النجاح المهني كبيرة، كماي قول بيرنستين، لأنّ علاقاتهم بالمخابرات مكّنتهم من الحصول على معلومات متميزة ومثيرة! أما الباحث الإعلامي الأميركي أندرو تاين فقد حلّل 414 خبراً صحفياً حول العراق، قدمتها شبكات الأخبار الأميركية الثلاث الكبرى في الفترة 2002-2003، فوجد أنّ جميع المواد الإخبارية، باستثناء 34 مادة، كان مصدرها المؤسسات الحكومية الثلاث: البيت الأبيض، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية! ولنا أن نقدّر كيف جرى تناول القضية العراقية إعلامياً، في حينه، بالاعتماد على المصادر الأميركية الرسمية العليا!

0 التعليقات:

 

للتواصل مع مدونة تماس عبر الايميل

ارسل ايميلك من هنا ثم لا تنسى ان تفتح ايميلك وتضغط على رابط التاكيد الذي سيرسل اليك

Preview on Feedage: %D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B3 Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes
;